فصل: مسير مصعب إلى المختار وقتله إياه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل ابن زياد.

ولما فرغ المختار من قتال أهل الكوفة آخر سنة ست وستين بعث إبراهيم بن الأشتر لقتال ابن زياد وبعث معه وجوه أصحابه وفرسانهم وشيعته وأوصاه وبعث معه بالكرسي الذي كان يستنصر به وهو كرسي قد غشاه بالذهب وقال للشيعة: هذا فيكم مثل التابوت في بني إسرائيل فكبر شأنه وعظم وقاتل ابن زياد فكان له الظهور وافتتن به الشيعة ويقال: إنه كرسي علي بن أبي طالب وإن المختار أخذه من والد جعدة بن هبيرة وكانت أمه أم هانيء بنت أبي طالب فهو ابن أخت علي ثم أسرع إبراهيم بن الأشتر في السير وأوغل في أرض الموصل وكان ابن زياد قد ملكها كما مر فلما دخل إبرهيم أرض الموصل عبى أصحابه ولما بلغ نهر الحارم بعث على مقدمته الطغيل بن لقيط النخعي ونزل ابن زياد قريبا من النهر وكانت قيس مطبقة على بني مروان عند المرج وجند عبد الملك يومئذ فلقي عمير بن الحباب السلمي إبراهيم بن الأشتر وأوعده أن ينهزم بالميسرة وأشار عليه بالمشاجرة ورأى عند ابن الأشتر ميلا إلى المطاولة فثناه عن ذلك وقال: إنهم ميولا منكم رعبا وأن طاولتهم اجترؤوا عليكم قال: وبذاك أوصاني صاحبي ثم عبى أصحابه في السحر الأول ونزل يمشي ويحرض الناس حتى أشرف على القوم وجاءه عبد الله بن الزبير السلولي بأنهم خرجوا على دهش وفشل وابن الأشتر يحرض أصحابه ويذكرهم أفعال ابن زياد ثم التقى الجمعان وحمل الحصين بن نمير من ميمنة أهل الشام على مسيرة إبراهيم فقتل علي بن مالك الخثعمي ثم أخذ الراية فرد بن علي فقتل وانهزمت الميسرة فأخذ الراية عبد الله بن ورقاء بن جنادة السلولي ورجع بالمنهزمين إلى الميسرة كما كانوا وحملت ميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون أن ينهزم عمير بن الحباب كما وعدهم فمنعته الأنفة من ذلك وقاتل قتالا شديدا وقصد ابن الأشتر قلب العسكر وسواده الأعظم فاقتتلوا أشد قتال حتى كانت أصوات الضرب بالحديد كأصوات القصارين وإبراهيم يقول لصاحب رايته: إنغمس برأيتك فيهم ثم حملوا حملة رجل واحد فانهزم أصحاب ابن زياد وقال ابن الأشتر إني قتلت رجلا تحت راية منفردة شممت منه رائحة المسك وضربته بسيفي فقصمته نصفين فالتمسوه فإذا هو ابن زياد فأخذت رأسه وأحرقت جثته وحمل شريك جدير الثعلبي على الحصين بن نمير فاعتقله وجاء أصحابه فقتلوا الحصين ويقال إن الذي قتل ابن زيد هو ابن جدير هذا وقتل شرحبيل بن ذي الكلاع وادعى قتله سفيان بن يزيد الأزدي وورقاء بن عازب الأزدي وعبيد الله بن زهير السلمي واتبع أصحاب ابن الأشتر المنهزمين فغرق في النهر أكبر ممن قتل وغنموا جميع ما في العسكر وطرأ ابن الأشتر بالبشارة إلى المختار فأتته بالمدائن وأنفذ ابن الأشتر عماله إلى البلاد فبعث أخاه عبد الرحمن على نصيبين وغلب على سنجار ودارا وما والاهما من أرض الجزيرة وولى زفر بن الحرث قبس وحاتم بن النعمان الباهلي حران والرهاء وشمشاط وعمير بن الحباب السلمي كفرنوبي وطور عبدين وأقام بالموصل وأنفذ رؤوس عبيد الله وقواده إلى المختار.

.مسير مصعب إلى المختار وقتله إياه.

كان ابن الزبير في أول سنة سبع وستين أو آخر ست عزل الحرث بن ربيعة وهو القباع وولى مكانه أخاه مصعبا فقدم البصرة وصعد المنبر وجاء الحرث فأجلسه مصعب تحته بدرجة ثم خطب وقرأ الآيات من أول القصص ونزل ولحق به أشراف الكوفة حتى قربوا من المختار ودخل عليه شيث بن ربعي وهو ينادي واغوثاه! ثم قدم محمد بن الأشعث بعده واستوثقوه إلى المسير وبعث إلى المهلب بن أبي الصفرة وهو عامله على فارس ليحضر معه قتال المختار فأبطأ وأغفل فأرسل إليه محمد بن الأشعث بكتابه فقال المهلب: ما وجد مصعب بريدا غيرك؟ فقال: ما أنا ببريد ولكن غلبنا عبيدنا على أبنائنا وحرمنا فأقبل معه المهلب بالجموع والأموال وعسكر مصعب عند الجسر فأرسل عبد الرحمن بن محنف إلى الكوفة وسرا ليثبط الناس عن المختار ويدعوا إلى ابن الزبير وسار على التعبية وبعث في مقدمته عباد بن الحصين الحبطي التميمي وعلى ميمنته عمر بن عبيد الله بن معمر وعلى ميسرته المهلب وبلغ الخبر المختار فقام في أصحابه وقربهم إلى الخروج مع ابن شميط وعسكر محمد في أعفر وبعث رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر مع ابن شميط وأصحابه فثبتوا وحمل المهلب من الميسرة على ابن كامل فثبت مع كر المهلب وحمل حملة منكرة وصبر ابن كامل قليلا وانهزموا وحمل الناس جميعا على ابن شميط فانهزم وقتل واستمر القتل في الرجالة وبعث مصعب عبادا فقتل كل أسير أخذه وتقدم محمد بن الأشعث في خيل من أهل الكوفة فلم يدركوا منهزما إلا قتلوه ولما فرغ مصعب منهم أقبل فقطع الفرات من موضع واسط وحملوا الضعفاء وأثقالهم في السفن ثم خرجوا إلى نهر الفرات وسار إلى الكوفة ولما بلغ المختار خبر الهزيمة ومن قتل من أصحابه وأن مصعبا أقبل إليه في البر والبحر سار إلى مجتمع الأنهار نهر الجزيرة والمسلحين والقادسية ونهر يسر فسكر الفرات فذهب ماؤه في الأنهار وبقيت سفن أهل البصرة في الطين فخرجوا إلى السكر وازالوه وقصدوا الكوفة وسار إلى المختار ونزل حر وراء بعد أن حصن القصر وأدخل عدة الحصار وأقبل مصعب وعلى ميمنته المهلب وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله وعلى الخيل عباد بن الحصين وجعل المختار على ميمنته سليم بن يزيد الكندي وعلى ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني وعلى الخيل عمر بن عبيد الله النهدي ونزل محمد بن الأشعث فيمن هرب من أهل الكوفة بين العسكريين ولما التقى الجمعان اقتتلوا ساعة وحمل عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي على من بإزائه فحطم أصحاب المختار حطمة منكرة وكشفوهم وحمل مالك بن عمر النهدي في الرجالة عند المساء على ابن الأشعث حملة منكرة فقتل ابن الأشعث وعامة أصحابه وقتل عبيد الله بن علي بن أبي طالب وقاتل المختار ثم افترق الناس ودخل القصر وسار مصعب من الغد فنزل السبخة وقطع عنهم الميرة وكان الناس يأتونهم بالقليل من الطعام والشراب خفية ففطن مصعب لذلك فمنعه وأصابهم العطش فكانوا يصبون العسل في الآبار ويشربون ثم إن المختار أشار على أصحابه بالاستماتة فتحنط وتطيب وخرج في عشرين رجلا منهم السائب بن مسلك الأشعري فعذله فقال: ويحك يا أحمق وثب ابن الزبير بالحجاز ووثب بجدة باليمامة وابن مروان بالشام فكنت كأحدهم إلا أني طلبت بثأر أهل البيت إذ نامت عقد العرب فقاتل على حسبك إن لم يكن لك نية ثم تقدم فقاتل حتى قتل على يد رجلين من بني حنيفة أخوين طرفة وطراف ابني عبد الله بن دجاجة وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة لما رأى عزم المختار على الاستماتة تدلى من القصر واختفى عند بعض إخوانه ثم بعث الذين بقوا بالقصر إلى مصعب ونزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين وأشار عليه المهلب باستبقائهم فاعترضه أشراف أهل الكوفة ورجع إلى رأيهم ثم أمر بكف المختار ابن أبي عبيد فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد فلم ينزعها من هنالك إلا الحجاج وقتل زوجه عمرة بنت النعمان بن بشير زعمت أن المختار فاستأذن أخاه عبد الله وقتلها ثم كتب مصعب إلى إبراهيم بن الأشتر يدعوه إلى طاعته ووعده بولاية أعنة الخيل وما غلب عليه من المغربة وكتب إليه عبد الملك بولاية العراق واختلف عليه أصحابه فجنح إلى مصعب خشية مما أصاب ابن زياد وأشراف أهل الشام وكتب إلى مصعب بالإجابة وسار إليه فبعث على عمله بالموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان المهلب بن أبي صفرة وقيل إن المختار إنما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة وإنه بعث على مقدمته أحمد بن شميط وبعث مصعب عباد الحبطي ومعه عبيد الله بن علي بن أبي طالب وتراضوا ليلا فناجزهم المختار من ليلته وانكشف أصحاب مصعب إلى عسكرهم واشتد القتال وقتل أصحاب مصعب جماعة منهم محمد بن الشعث فلما أصبح المختار وجد أصحابه قد توغلوا في أصحاب مصعب وليس عنده أحد فانصرف ودخل قصر الكوفة وفقد أصحابه فلحقوا به ودخل القصر معه ثمانية آلاف منهم وأقبل مصعب فحاصرهم أربعة أشهر يقاتلهم بالسيوف كل يوم حتى قتل وطلب الذين في القصر الأمان من مصعب ونزلوا على حكمه فقتلهم جميعا وكانوا ستة آلاف رجل ولما ملك مصعب الكوفة بعث عبد الله بن الزبير ابنه حمزة على البصرة مكان مصعب فأساء السيرة وقصر بالأشراف ففزعوا إلى مالك بن مسمع فخرج إلى الجسر وبعث إلى حمزة أن الحق بأبيك وكتب الأحنف إلى أبيه أن يعزله عنهم ويعيد لهم مصعبا ففعل وخرج حمزة بالأموال فعرض له مالك بن مسمع وقال: لا ندعك تخرج بأعطياتنا فضمن له عمر بن عبيد الله العطاء فكف عنه وقيل إن عبيد الله بن الزبير إنما رد مصعبا إلى البصرة عند وفادته عليه بعد سنة من قتل المختار ولما ورده إلى البصرة استعمل عمر بن عبيد الله بن معمر على فارس وولاه حرب الأزارقة وكان المهلب على حربهم أيام مصعب وحمزة فلما رد مصعبا أراد أن يولي المهلب الموصل والجزيرة وأرمينية ليكون بينه وبين عبد الملك فاستقدمه واستخلف على عمله المغيرة فلما قدم البصرة عزله مصعب عن حرب الخوارج وبلاد فارس واستعمل عليها عمر بن عبيد الله بن معمر فكان له في حروبهم ما نذكره في أخبار الخوارج.